ليس الأفراد وحدهم مخلوقات مسيّرة، بل أيضاً الشعوب والأمم. وكما يولد الفرد في بلد أو عائلة، لا خيار له فيها، تنشأ بعض الدول في مناطق بركانية، كلما ثارت ألقت حممها في كل اتجاه، مع أن مركز البركان لا يتغير. الذي يتغير هو مفاجآته ودرجاته وما لديه من أسباب.
وبما أن الجوار في هذه الحال هو أرض، فلا يمكن نقلها، أو حملها، والهروب بها. كل ما يمكن فعله هو المحاولة، أو المصانعة، أو المجالدة، والصبر. والتمني للجوار بالاستقرار والهدوء.
أشهر هذه الدول على خط البراكين، هي لبنان والأردن وحتى مصر. وهذه عليها دائماً أن تكون على استعداد لاستقبال الهاربين من الحمم، بصرف النظر عن الأسباب. أي سواء كان البركان سياسياً داخلياً كما في سوريا، أو وطنياً قومياً كما حدث في غزة. وليس في إمكان هذه الدول أن تشكو أو أن تتذمر، وإلاّ اتُهمت بالخيانة والصهيونية. وفي بلد صغير مثل الأردن أو لبنان، تفقد الدولة كل أسباب البقاء، وقد أصبح عدد النازحين السوريين، مثلاً، نحو 2.8 مليون في لبنان وحده. ويملك الأردن كل مقومات الدولة، خصوصاً الأمن، بينما لا يملك لبنان شيئاً منها. ويتولى الملك عبد الله الثاني معالجة هذه المحنة الجديدة بكل مهابة رجل الدولة، بينما ليس هناك من رئيس لبناني قادر على مخاطبة سوريا بشأن آلاف الشبان الذين ما زالوا يتدفقون عبر الحدود كل يوم، بنفس السهولة التي يذهبون فيها إلى منازلهم. هنا تطرح دائماً معضلة كبرى: أليس ذلك واجبا إنسانيا وعربيا؟ بالتأكيد، لكن ألا يشكل أيضاً خطراً أمنياً واقتصادياً فوق طاقات الاحتمال؟
النزوح أو اللجوء أو التهجير من غزة حملٌ إنساني رهيب. ولا أحد يدري أي بركان دموي يتحول إذا ما مضت حكومة التوحش في إسرائيل في تنفيذ أرهب وأرعب «ترانسفير» بشري داخل غزة، وربما عبرها نحو مصر.
قرأت أمس في صحيفة «جابان تايمز» أن عدد المهاجرين في البلاد بلغ رقماً قياسياً هو 3.2 مليون شخص، أكثرهم من العمال ذوي الاختصاص ومن التابعية الصينية. لكن كم هو عدد سكان اليابان؟ 125.7 مليون. واليابان هي من أقوى اقتصادات العالم. وشكواها الوحيدة في الحياة أنها على مرمى من صواريخ الزعيم الضاحك «كيم جون أون»، التي أصبحت تُحشى الآن بالوقود النووي، الذي يبدو أنه أكثر تسلية وطرباً من النوع التقليدي.
تضيع في هذه المآسي والكوارث أرقام القتلى والمصابين وطوابير المهجرين. وأتأمل كل يوم صور الخارجين من شمال غزة إلى جنوبها ومعهم أفرشتهم وليس لهم عناوين يذهبون إليها، ولا سقوف، ولا مستشفيات، ولا أفران؟... لا شيء سوى القسوة، من كل مكان.
المصدر: الشرق الأوسط